أكتب اليوم للترحم على رجل عظيم هو المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان "رحمه الله" الذي انتقل إلى جوار ربه في شهر نوفمبر الماضي، تغمده الله بواسع رحمته وأسكنه فسيح جناته. ستسجل صفحات التاريخ أن هذا الرجل الكبير هو باني دولة الإمارات العربية المتحدة. فبفضل بصيرته الثاقبة، وجهده الدؤوب، وبفضل مؤازرة إخوانه حكام الإمارات، ظهرت هذه الدولة إلى النور عام 1971، وتم انتخابه بالإجماع من قبل إخوانه الحكام كي يكون أول رئيس لها.
وخلال سنوات حكمه الطويلة، انتقل سكان دولة الإمارات العربية المتحدة من حياة الفقر إلى حياة الرخاء مع محافظتهم في نفس الوقت على تراثهم الثقافي والديني. وتحول شعب هذه الأرض الطيبة، خلال فترة حكم الشيخ زايد "رحمه الله" من شعب يعيش حياة البداوة في الصحاري الشاسعة، ويعتمد في توفير رزقه على صيد السمك والغوص، إلى شعب يسكن دولة تشهد نمواً اقتصادياً مستمراً ورخاءً متزايداً. وتمكن الشيخ زايد "رحمه الله" بفضل عوائد النفط التي منّ الله بها على هذه الدولة، من تدشين برنامج تنمية ضخم لبناء المدارس، والمساكن، والمستشفيات وشق الطرق في كل مكان.
وتحولت الإمارات العربية المتحدة بفضل جهود ذلك الرجل العظيم إلى نموذج يحتذى باعتبارها دولة حققت خطوات هائلة على طريق النمو، وباعتبارها دولة تضم مجتمعاً متعدد الأعراق، متعدد الثقافات، يعيش فيه الجميع في طمأنينة وسلام، ويمارسون طقوس عباداتهم في حرية وأمان بفضل ما كان يتميز به "رحمه الله" من اتساع أفق وسماحة نفس. وفي عام 1981، وبفضل بعد نظر الشيخ زايد"رحمه الله" وإخوانه حكام دول الخليج، تأسس مجلس التعاون لدول الخليج العربية الذي ضم الإمارات والبحرين وقطر وعُمان والمملكة العربية السعودية والكويت، وهي الدول التي كان المغفور له الشيخ زايد "رحمه الله" يدعو دوماً إلى توحيدها في كيان اقتصادي موحد.
وقبل سقوط الاتحاد السوفيتي بوقت طويل وبروز الكتل الاقتصادية، شهد الخليج يوماً عظيماً هو ذلك اليوم الذي تم فيه الاجتماع الافتتاحي لمجلس التعاون الخليجي في مدينة أبوظبي عاصمة دولة الإمارات العربية المتحدة. وباعتباره ابناً من أبناء الصحراء، فإن الشيخ زايد "رحمه الله" اتصف بالورع والتقوى، كما عرف عنه الاهتمام بالهوايات العربية الأصيلة.
ويحتل الشيخ زايد "رحمه الله" مكانة خاصة في قلوب أبناء الشعب الباكستاني. فقد كان الرجل صديقاً حميماً لدولتنا، وسنذكر له على الدوام كرمه وسخاء يده وحرصه واهتمامه بشؤون تنميتنا ورفاهيتنا. ففي باكستان اليوم نجد مطارات ومستشفيات تقف شاهدة على كرم رجل كان سخياً مع الشعب الباكستاني، ومع جميع الشعوب الإسلامية التي تعاني من الفقر والتخلف.
كما قام الشيخ زايد بتأسيس صندوق أبوظبي للإنماء الاقتصادي العربي كي يساعد أشقاءه في الدول الإسلامية، ويقدم المعونات الاقتصادية إلى الكثير من الدول في ثلاث قارات من قارات العالم.
وإنني أتذكر تلك اللحظة التي رأيت فيها الشيخ زايد "رحمه الله" للمرة الأولى. حينها كنت لا أزال طالبة صغيرة، وكنا ننتظر وصول الزعيم الكبير إلى منزل عائلتنا في لاركانا. كانت والدتي في ذلك اليوم مشغولة بالتأكد من أن كل شيء في المنزل على ما يرام، ومن أنه قد أصبح لائقاً لاستقبال ضيفنا الموقر. أتذكر جيداً تلك اللحظة التي دخل فيها "رحمه الله" من باب منزلنا مبتسماً، قوياً، وقوراً، تلوح على محياه دلائل الاعتزاز بالنفس.
وكان الشيخ زايد "رحمه الله" بما يتميز به من حكمة، ومعرفة، ولباقة، وكاريزما شخصية، وسيطاً ممتازاً. وبسبب هذه الصفات كانت القوى الأجنبية تلجأ إليه دائماً لمساعدتها في جهود الوساطة والتفاوض عندما تنشأ أزمة من الأزمات في المنطقة. لقد كان "رحمه الله" قائدا يحترم كلمة الشرف، ولا يعادل بها شيئاً. كما كان رجلا يفرض على الجميع - بفضل ما يتمتع به من سجايا حميدة- الاحترام والتوقير لشخصه.
كان الشيخ زايد "رحمه الله" رجلاً يتميز بالشجاعة والجسارة، والعزم، وصفات القيادة. كما كان قائداً لدولة تعتبر من أوائل الدول التي قدمت يد العون لدولة الكويت، عندما قام صدام حسين بغزوها عام 1990. وعلى الرغم من أنه وقف ضد العراق في ذلك الحين، فإنه لم يتردد بعد ذلك في تقديم مساعدات إنسانية لهذا الشعب، وذلك عندما قامت الأمم المتحدة بفرض عقوبات اقتصادية عليه، عقب قيام قوات التحالف بإخراج قوات صدام من دولة الكويت في أوائل عام 1991. ولم تكن تلك هي المرة الأخيرة التي وقف فيها الشيخ زايد "رحمه الله" إلى جوار الشعب العراقي. ففي الفترة التي كانت قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة تستعد فيها لغزو العراق عام 2003، دون تفويض رسمي من الأمم المتحدة، رفض الشيخ زايد أن يتم استخدام القواعد العسكرية في دولة الإمارات العربية المتحدة ضد العراق، كما قام بمطالبة الرئيس العراقي السابق صدام حسين بالتنحي والخروج إلى المنفى، لتجنب الحرب وإنقاذ شعبه من ويلاتها.
وعندما واجهت باكستان أزمة أثناء حك